جارِ التحميل...
جارِ التحميل...
أما علمتِ أنني أعشق الليل
والسير تحت المطر،
ومع ضوء البرق وصوت الرعد
واهتزاز الشجر،
ينتابني شيء من البرد والقُشعريرة فأضع يديّ داخل معطفي وأمضي في طريقي بعيداً عن الزحام وضجيج العالم وحديث المارّة وصوت الباعة المتجولين وصراخ المتعبين، يكفيني الضجيج الذي يجتاحني من الداخل، يكفيني صِراعي معَ نفسي وتأنيبها لي، أخرج وحيداً محاولةً مني لأعيد ترتيب أوراق حياتي وأهذبها وأُخرجُها بشكلٍ يليق بي ولا أضع أمامي شيءٌ سوى نفسي فأنا أولى الناس بها وأنا قبل كل شيء، فأنا الذي أهملت نفسي كثيراً ولم أهتم بها كما ينبغي، أنا الذي آثرت الكثير على هذه النفس المسكينة التي لطالما نادتني ولكني لم أستجب ولم ألتفت، وتركتها تعاني وحدها..
ولكني اليوم خرجت وحيداً لا أحمل هماً سواها، شعاري عدت إليكِ يا نفسُ فاقبليني، فكما كنت أضُرُّكِ بهجري فقد كنت أضر نفسي فأنت نفسي ورفيقتي وأولى الناس بي وأنا أولى بك، اليوم عدت بعد غياب والغائب عذره معه فاعذريني،
كنت أتسائل كيف يمكن للمرء أن يضيع نفسه؟
عرفتُ أن المرء بغبائه يظن أنه يسعد نفسه وفي الحقيقة هو يضيعها،
عرفتُ أنّ أصعبَ الفقد هو فقدان النفس وضياعها،
وكيف يكون فُقدانها؟
لعلي ملّكتُها لمن لا يستحقها فغادرَ بها وتركني وحيداً خاوي الوفاض،
أو لعلي أضعتها في الزحام وفي ضجيج الحياة..
ولكني اليوم جئت بعيداً عن كل هذا وتركت كل شيءٍ لأجلك أريد أن
أحيا من جديد أريد منكِ أن تعينيني على ذلك وتنبهينني في حالِ تقصيري نحوكِ، انظري إلى السماء ملبدة بالغيوم والجو هادىءٌ والأرض ترقُب نزول المطر ليُحييَ المطر ما في أعماقها فتنبت وتخضَر فيلتفت إليها الناس ويعجبون بخضرتها وجمالها،
وكذلك أنا أرتقب عودتك لأحيا من جديد وتَخضَر حياتي وتزهر أوراقي ويحتل الربيع صحراء قلبي فتعود الروح إليّ وينبت فيّ كلّ شيءٍ جميل،
فهل أدركتِ مدى حاجتي إليكِ؟